زاوية تاريخية تقع بني عياط التابعة إداريا لعمالة أزيلال التي تبعد عنها بحوالي 83كلم. وعن بني ملال بحوالي 33 كلم، ويقصدها الزوار عبر الطريق الرابطة بين مراكش وبني ملال، وهي تتموقع على المنحدرات الشمالية للأطلس المتوسط، بالجنوب الغربي لبني ملال، والجنوب الشرقي لدار ولد زيدوح، فيما بين "آيت بوزيد" على الشرق و "آيت عتاب" على الجنوب وبني موسى على الشمال. أما لفظ "اعياط" التي بها يعرفون، فهي اسم جغرافي فيما يظهر، وذلك لكثرة تداول هذا الاسم في أرض المغرب، فبالإضافة إلى هذا الموقع يوجد تجمع سكني في نواحي "ميسور" يسمى "قصر اعياط" كما يوجد تجمع آخر في نواحي العيون يحمل نفس الاسم، وهناك تجمع سكني فوق مدينة بني ملال على الدير يسمى "اعياط".
مؤسسها
هو الشيخ العارف بالله سيدي إبراهيم البصير بن سيدي مبارك بن سيدي إبراهيم بن سيدي محمد بن سيدي البشير بن سيدي الفقير كيسوم بن سيدي محمد بن سيدي أحمد المؤدن بن سيدي علي بن سيدي أحمد الرقيبي بن سيدي أحمد بن سيدي يوسف بن سيدي علي بن سيدي موسى بن سيدي أحمد بن سيدي غانم بن سيدي أحمد بن سيدي عبد الواحد بن سيدي عبد الكريم بن سيدي محمد بن سيدي الخطب الشهير العارف بالله مولانا عبد السلام بن مشيش
ويعود تاريخ تأسيس زاوية آل البصير إلى القرن 13 هـ والقرن 19م، فمؤسسها هو سيدي إبراهيم البصير المزداد بالصحراء عام 1287هـ والمتوفى سنة 1364هـ.
فكان أول سفر له إلى الرقيبات بالساقية الحمراء مع أخيه سيدي محمد في سنة 1296هـ، وانخرط في أول الأمر في الطريقة الناصرية، وفي سنة 1301هـ زوجه والده ببنت خال هذا الأخير.
وفي سنة 1303هـ حضي وهو شاب بمقابلة السلطان المولى الحسن الأول ضمن وفد للطلبة أثناء انتقال السلطان من بونعمان إلى تزنيت، وفي سنة 1308هـ بدأ يمارس التجارة، وانطلاقا من سنة 1312هـ بدأ يتردد على منطقة الحوز، حيث كان له إخوان بالنسب من الرقيبات في الرحامنة، وقد أصبح داعية للطريقة الإلغية (الدرقاوية) التي أخذها عن سيدي الحاج الإلغي، ثم انتقل إلى بني مسكين حيث اقترن بامرأة وسكن البروج.
وبعد احتلال قصبة تادلة توجه سيدي ابراهيم إلى بني عياض، في عام 1331 هـ حيث نزل بتزكي، ومنها إلى قرية إيرازان في آيت بوزيد، وعلى إثر مصالحة له قام بها بين قبيلة آيت إيشو وأيت بوجمعة ببني عياط، أهداه ايت بوجمعة من آيت وايو المكان الذي بني فيه الزاوية للتخفيف على فقراء السهل الذين كانوا يتكبدون مشاق كثيرة للانتقال إلى آيت بوزيد وكان ذلك سنة 1332هـ .
وفي سنة 1339هـ شرع في بناء زاويته في بني عياط والمتطوعون من الفقراء والطلبة في وضع اللبنات الأولى والحجر الأساس، لبناء صرح هذه المعلمة التاريخية. فبنى المسجد ودار الإيواء للفقراء والطلبة ومنزل الشيخ والنساء اللواتي يشرفن على طهي الطعام، وسرعان ما عرفت هذه الزاوية ازدهارا مهما وأصبحت قبلة للفقراء من مختلف المناطق المجاورة، فقد أصبحت الزاوية عبارة عن مدرسة قرآنية تستقطب العديد من أبناء المنطقة الذين بلغ عددهم في سنة 1363 هـ حسب المختار السوسي نحو المائة أغلبهم من اليتامى والمعوقين، وفي سنة 1364هـ توفي سيدي إبراهيم رحمه الله.
أصول زاوية آل البصير.
وحسب طالب باحث ؛الشيخ سيدي إبراهيم البصير رحمه الله ينتمي لأسرة عريقة اشتهرت بالصلاح والولاية في منطقة الساقية الحمراء وموريتانيا والسودان وسوس، وبنت العديد من الزوايا بهذه الأصقاع، وهو ينتمي لأسرة آل البصير المنحدرة من قبائل الرقيبات وبالضبط من فخذة المؤدنين المنسبة إلى علي بن أحمد الركائبي، وبقيت تنتقل هذه العشيرة الشريفة تحت ظروف الجفاف والاستعمار، وهكذا عرفت زواياهم بمراكش والرحامنة والدار البيضاء وبني مسكين وقصبة الزيدانية إلى أن استقر بهم الأمر أخيرا بمنطقة بني عياط، التي بنيت بها زاويتهم المعروفة اليوم باسم "زاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير"
ويضيف نفس المصدر ؛ آل البصير عرفوا في موريتانيا، والساقية الحمراء، وآيت بعمران، وبين ملال، وسطات، وخريبكة، ومكناس، بالمواطنة الصادقة والورع والصلاح، فزاوية آل البصير الموجودة في بني عياط هي فرع من فروع الزاوية البصيرية المؤسسة بسوس في منطقة الخصاص بآيت بعمران التابعة لعمالة تزنيت من طرف سيدي إبراهيم البصير بن الفقيه قيسوم رحمه الله. وكان ذلك إثر نزوحه من الجنوب إلى الشمال بسبب الجفاف الذي أصاب الجنوب المغربي
مكــــــــان التأسيــــــس :
بالنسبة لمكان التأسيس، فالظروف الزمانية والمكانية لم تسمح للشيخ سيدي إبراهيم البصير أن يستقر في مكان معين، لأن الاستعمار الفرنسي كان يلاحقه طول الوقت، فخرج تحت هذه الظروف إ، ومكث هناك سبع سنوات، ثم استقر أخيرا في بني اعياط السهلية. قال عنه المؤرخون ؛سيدي إبراهيم البصير الشيخ القدر الذي ظهر ظهورا كبيرا بين مشايخ الصوفية في هذا العصر وله بينهم مكانة لا تخفى... فعرفنا أنه في الحقيقة رجل خلق صوفيا روحانيا يزهد في الدنيا بطبيعته ولا إرب له إلا أداء حق ربه
ومنذ هذا الوقت وزاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير ببني عياط في تقدم وازدهار مستمر سواء على مستوى مرافق الزاوية العمرانية أو على المستوى العلمي والنشاط الصوفي،
الأدوار الإجتماعية ؛
الإطعـــــــــام:
فباب الزاوية كان مفتوحا على مصراعيه في وجه كل محتاج فقير أو عابر سبيل، وكان سيدي إبراهيم يطعم كل من جاء عنده من علماء وأعيان، فكان يكرم ولا يبخل ويعطي ولا يمنع
ويظهر النشاط الاجتماعي أيضا للزاوية جليا من خلال وظيفة الإطعام وهي وظيفة اشتهرت بها الزاوية بالمغرب، وكان يستفيد من ذلك الطعام زوار الزاوية وعابري السبيل والطلبة الذي يتوافدون عليها لطلب العلم
فإطعام الطعام للفقراء والمساكين والمحتاجين، كان من أولويات هذه الزاوية، فمنذ تأسيسها إلى يومنا هذا كانت الزاوية ولا زالت تطعم الطعام، فأهلها معروفين بالخير والصلاة، فكل من قصد الزاوية يلبى طلبه سواء أكل أو شرب أو مبيت، فباب الزاوية مفتوح في وجه كل عابر سبيل
الاستشفـــــــــاء:
كان سيدي إبراهيم يهتم بمعالجة النفس والجسد فقد اشتهر بإشفاء المرضى، وذلك عن طريق الرقي من بعض الأمراض كالجن والبرص وأمراض أخرى كالشلل النصفي والكلي، ومن أحواله أن كان يرقي المرضى فيأتي الله بالشفاء العاجل خصوصا في مس الجن وفي المقعدين، فإنه مشهورا بذلك فسرعان ما يبرأ قاصدوه من المقعدين.
فإن مض شخص بمرض معيب يذهب إلى شيخ الزاوية ويطلب منه المساعدة وهذا الشيخ بدوره يقوم بكتابة "تميمة" في ورقة تسمى "الحرز" فيأمره بأن يعلقها في عنقه لمدة أسبوع، أو يكتب له بعض الآيات القرآنية في أوراق بيضاء فيأمره بمسحها في كأس من ماء ويشربها
الإيــــــــــواء:
فالزاوية تحاول توفير غرف خاصة لإيواء الطلبة الوافدين من جهات مختلفة من المغرب، ورغم أنه ليست هناك غرف خاصة كما هو الشأن بالنسبة لبعض الزوايا. وكل من فيها مسجد وقبب فيها بطاطين تفترش ويلتحف بها، الله إلا ما كان بيوت للطلبة ودور المقيمين مع محاولة توفير الشروط الملائمة للاستقرار والإقامة.
التوسط والتحكيم:
فمنذ تأسيس زاوية آل البصير. وعملوا على تنظيم المجتمع القبلي المحيط بالزاوية ضمن حياة يسودها النظام والاحترام، فأغلب القبائل والساكنة كانوا يلجئون إلى سيدي إبراهيم البصير في الفصل بينهم في النزاعات، فبعدما توفي سيدي إبراهيم البصير خلفه أبناءه الذين ساروا على دربه في القيام بشؤون الزاوية وكذلك الفصل والتحكم بين الناس
إضافة إلى هذا، فزاوية آل البصير كانت تلعب دور الحكم والقاضي في حل النزاعات والمشاكل القائمة بين القبائل والدواوير المجاورة لها، فكلما وقع نزاع بين ساكنة الدواوير القريبة من الزاوية يتم استدعاء شيخ الزاوية من أجل التحكيم ولعقد الصلح بينهم، لهذا فقد ظلت الزاوية قائمة في نظر الناس والقبائل على أنها ملجأ لهم لحل مشاكلهم وكذلك اللجوء إليها في حالة استعصاء الأمر على ناس الدواوير أو القبيلة، فهي كانت بمثابة الحكم والقاضي الذي يفصل بين المتنازعين
فكلما نشب نزاع في إحدى الدواوير القريبة من الزاوية حول المرعى أو اقتسام الإرث أو تظلم شخص على شخص آخر، يتم استدعاء شيخ الزاوية من أجل الفصل والمصالحة بين الأطراف المتنازعة، فقد عرف سيدي الحبيب وسيدي إسماعيل بصلحهم وتدخلهم في التحكيم بين أطراف الدواوير المتنازعة
فسيدي إبراهيم كان معروفا بين السكان المجاورين لزاويته بعدله وطيبوبته فقد كانت له محبة كبيرة في قلوب الناس وكان يحض باحترام كبير من طرف السكان، فكان كلما وقع نزاع بين الناس يلجئون إليه من أجل التوسط بينهم والتحكيم أو عقد الصلح، فسيدي إبراهيم كان بمثابة القاضي الذي يفصل بين الناس
علاقة الزاوية بساكنة بني اعياط.
لقد ربطت زاوية آل البصير علاقة وطيدة مع ساكنة بني اعياط تمثلت في علاقة الجوار بين الطرفين، فزاوية آل البصير تحيط بها عدة دواوير من بينها دوار آيت يحيى، ودوار تنفردة ودوار آيت إسوكة، ودوار بسكور، ودوار تاوريرت، فبعد ما جاء سيدي إبراهيم البصير إلى بني عياط السهلية تكتلت حوله هذه الدواوير وساندته في بناء زاويته هناك، وثم ربط علاقة وطيدة ومتينة بين سيدي إبراهيم وهذه الدواوير، وتبقى هذه العلاقة حتى بعد وفاته رحمه الله، فقد ظلت مبنية على الاحترام والتعاون والتآزر في السراء والضراء، فما يؤكد هذه العلاقة المتينة هو تلك الروح التضامنية بين الزاوية وجيرانها خاصة في المناسبات الحزينة كالموت أو الفرحة كالزواج مثلا، فحين يتوفى أحد من الساكنة تقوم الزاوية بتعزية أسرة الشخص الميت، وتقدم قدر من المال لهذه الأسرة كعربون محبة وتوسية، ونفس الشيء في مناسبة الزواج يتم استدعاء شيخ الزاوية والطلبة من أجل تلاوة القرآن والدعاء للعروسين بطول العمر والدرية الصالحة.
أما بالنسبة للساكنة فكانوا يقدمون جزءا من المحصول السنوي سواء قمح وشعير لزاوية كاعتراف باحترامهم ومحبتهم لها، فهذه الساكنة ترى في الزاوية ذلك الموجه الديني الذي يرشدهم ويقربهم من ربهم، وينور لهم الطريق إلى الله ويهديهم إلى صراط مستقيم، أما الزاوية فكانت ترى في الساكنة المجاورة لها، أهم دعم لها حيث تعتمد عليهم في الإطعام وتقديم المؤنة للفقراء والطلبة المتواجدين داخل الزاوية، فعموما فعلاقة زاوية آل البصير بساكنة بني عياط تدخل في إطار علاقة الجوار والتعاون والتآزر بين الطرفين
فزاوية آل البصير لطالما اعتبرت ساكنة بني اعياط دعم لها، فهي بمثابة دوار الدواوير المجاورة لها، فهناك علاقة تجمع بينها وبين هذه الساكنة أساسها الاحترام والتقدير والتعاون والتآخي، إضافة إلى هذا فهذه العلاقة كانت ولا تزال مبنية على تبادل الزيارات خاصة في مناسبات الأفراح، وكمثال على ذلك مناسبة العيد المولد النبوي أو الأعياد الأخرى، فعند حلول إحدى هذه المناسبات يتجمع كبار الدواوير ويقومون بزيارة الزاوية من أجل تبادل التهاني والاحتفال بهذه المناسبة الدينية
فالزيارات كانت ولازالت قائمة بين الزاوية والساكنة المجاورة لها خاصة في المناسبات سواء السارة أو الحزينة، فما جعل هذه العلاقة وطيدة بين الساكنة والزاوية هي تلك الأعمال الخيرية التي قوم بها أهل الزاوية، مثل الختان الجماعي للأطفال، فزاوية تقوم في كل سنة بجمع أطفال الدواوير في الزاوية من أجل تختينهم بشكل جماعي، فهي تتكلف بكل مصاريف الختان وتقدم للأطفال ملابس خاصة بهذه المناسبة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق