أزيلال المغربية الجميلة المدفونة بين الجبال
مدينة نائمة وفقيرة مع وفرة ما وهبها الله من طبيعة ساحرة وأنهار جارية وجبال مسربلة بالخضار.
أزيلال (المغرب) – فريد عابيد
شلالات على خلفية طبيعة خلابة
تقع مدينة أزيلال الصغيرة، بين إقليمي بني ملال ومراكش، في الأطلس الأعلى. وتتبع إداريا إقليم بني ملال، جنوب غرب العاصمة المغربية الرباط. وهي بحكم موقعها في سلسلة جبال الأطلس، محاطة بسلاسل جبلية وهضاب. وبين هذه الجبال انفجرت عيون وانهار ووديان، تضفي على المدينة هالة من الجمال والشموخ، وأسبابا إضافية للعزلة التي تعودتها المدينة منذ سنين بعيدة.
وتعتمد المدينة على الزراعة، كمصدر أساسي لعيشها، لكن هذه الزراعة، التي تستثمر ثروة مائية متنامية، تشكو واقعا جغرافيا، يقوم على تضاريس صعبة، ويجعل من مواردها الأساسية زراعة الزيتون واللوز، الذي ينمو أحيانا بشكل طبيعي، غير أن السفوح التي تحاذي أزيلال، تشتهر بمنتجات زراعية أخرى، مثل الأشجار المثمرة بمختلف أنواعها، والحبوب والمواشي.
وتشير مصادر سكانية بأن الإنتاج الزراعي يغطي أغلب وأهم أنشطة الإقليم، حيث 90 في المائة من مساحة المنطقة مخصصة للزراعة، والمرافق التابعة لها. ويشغل هذا القطاع لوحده 60.9 في المائة من السكان النشيطين المشتغلين، الذين يتوزعون بين 80.4 في المائة في الوسط القروي و10.3 في المائة في الوسط الحضري ببني ملال.
لا يبدو على أهالي أزيلال الأمازيغ، أيا من مظاهر الرخاء، فأهلها يعيشون تحت سلم الكفاف، ويعانون الفقر والبؤس والتهميش وينزوون في أغلبهم داخل السلاسل الجبلية، ليعيشوا على الرعي والزراعة التقليدية، في عزلة تامة عن العالم القروي، ولا يجمعهم إلا السوق الأسبوعي.
ويعزو عبد الهادي الزوهري، مندوب وزارة الشبيبة والرياضة بمدينة أزيلال تخلف الإقليم وفقره، إلى السكان أنفسهم، الذين وصفهم بالطيبين "السذج، لا يسعون إلى الخروج مطلقا من عزلتهم التي تطوقهم، ولا ينخرطون في أي رهان للتنمية، فضلا عن أن يكون لهم إرادة لفت أنظار المسؤولين الحكوميين، والسلطة المحلية، للنهوض بمنطقتهم"، على حد قوله.
إلى جانب هذه الخصائص السكانية، فإن الإقليم يتوفر على خصائص جمالية وطبيعية مثل شلالات "أوزود" الشهيرة، ووفرة الثروة المائية، وغنى الفلكلور الشعبي، والصناعات التقليدية، بل تعرف الجهة بأنها من أغنى مناطق المملكة بالمخطوطات والآثار، التي يقول الزوهري عنها إنها تظل، للأسف، تحت طائلة الإهمال، وقد تقع في أيدي السماسرة، وبعض السياح، الذين يحصلون على هذه المخطوطات الثمينة بأبخس الأثمان.
ويقول إبراهيم المنصوري، وهو أحد منتخبي المجلس البلدي في أزيلال، عن خصائص الجهة ومؤهلاتها السياحية والثقافية "توجد هنا مناطق جبلية خلابة، ومناخ جاف وصحي، يستهوي الكثيرين من أجل الاستجمام والعلاج من أزمات الربو وغيرها، كما تتوفر على مناطق تاريخية، ورصيد أركيولوجي مهم، مثل بوكماز ايمينفري بدمنات (70 كلم غرب أزيلال)، وشلالات أوزود (36 كلم في اتجاه الغرب أيضا)، وهو المكان الطبيعي الذي يبهر الناظرين، والغني بثروة الحفريات والمنحوتات". ويستطرد المنصوري قائلا "عثر في نواحيه على أحد أقدم هياكل الديناصورات في العالم، وذلك في منطقة جبال الأطلس المتوسط، وحدد العلماء عمره بحوالي 165 مليون سنة".
وبشأن خصال ومميزات المنطقة وأهلها فيقول المنصوري إنها تمتاز أيضا بـ"صناعات تقليدية متنوعة وجميلة"، مثل النسيج "البزيوي"، وهو المنسوج الذي قال عنه إن الملك الراحل الحسن الثاني فضله واختاره أن يكون لباسا تقليديا رسميا، وصار هذا اللباس مشهورا، باعتماده أثناء افتتاح الدورة البرلمانية من كل عام واختتامها أيضا، حيث يظهر كل البرلمانيين في قبة البرلمان، وهم يرتدون النسيج البزيوي.
كما أن هناك صناعات الفخار التقليدي المعروفة بدمنات، والأسلحة التقليدية، من خناجر ومسدسات مرصعة بالحجارة الكريمة، والمنحوتات والفضة وغيرها، والأسلحة التقليدية بالبارود، التي يستعملها الفرسان التقليديون، أثناء سباقات الخيل المحلية، وتعرف هذه الصناعة خاصة بمدينة (بزو)، ثم هناك "الجلد الزيواني"، وهو جلد يستعمل بكيفية تقليدية، تخلو من المواد الكيماوية، وتعرف به مدينة (آيت عتاب). وهناك أيضا النحت على الخشب، في (آيت بو كماز).
وتشتهر المنطقة بأصناف من الخشب لا توجد خارجها، مثل خشب محلي يسمى "تاولت"، وكذلك خشب العرعار والجوز. وذكر المنصوري أنه تكونت تعاونيات لهذا الغرض في (بوكماز). وقد فازت تعاونية صناعة النقش على الخشب بالجائزة الأولى لمهرجان أزيلال في نسخته الثانية هذا العام.
الرحلة إلى أزيلال عبر بني ملال
يمكن للزائر أن يصل إلى أزيلال عبر مراكش، من الضفة الجنوبية للمملكة، كما يمكنه أن يقدم إليها عبر بني ملال من الضفة الشمالية للملكة. وإذا دخلت المدينة عبر بوابة بني ملال، ستسحرك المناظر الجبلية الفاتنة، ومحطات المياه عبر سد بين الويدان الشهير، الذي ترابط فوقه بشكل دائم ثكنة عسكرية، تتولى حراسته ليل نهار. ويفسر أهالي المنطقة ذلك بأن هذه المحطة المائية، هي المزود الرئيس للمملكة بالطاقة الكهربائية.
تصعد بك السيارة منعرجات جبلية وعرة، في اتجاه أزيلال، تخلف وراءك في هذه الرحلة بني ملال، ثم أفورار، لتنتهي الرحلة إلى تعرجات جبلية خطرة، لكنها ممتعة، إذ تطل على مساحات خضراء حتى في أوقات الصيف، وتبدو هذه المساحات عبر تشكلات هندسية متنوعة وبديعة، كلما دلفت بك السيارة في العلو.. حقا إنه منظر خلاب.
وفي الطريق قليلا ما تصادف بناية صغيرة، وإذا ما صادفت مثل هذه البناية، فإنها ستكون إما مستوصفا صغيرا، أو مدرسة تتسع لفصلين، أو ثلاثة على الأكثر، لكنك إن مددت بصرك قليلا عبر ثنايا التضاريس الجبلية، فقد تتراءى لك بعض البيوتات القليلة المتنائية، المزروعة في غياهب الجبال المتقاطعة والمتناثرة، وقد يعبر قطيع من الماعز، أو يظهر لك راع بين الأشجار الكثيفة، وسط خلاء غير معمور، تستغرب وتفاجئ إذ يتراءى لك شبح إنسان.
تعبر السيارة سد بين الويدان، وقد تتساءل مثلما يتساءل أكثر العابرين لماذا يسمونه "بين الويدان"، والأحرى أن يسمى بين الجبال؟ والحقيقة أن تداخلا عجيبا يخترق كل المنطقة وتضاريسها وطبيعتها، ما بين جبال وأنهار وعيون ماء، فهي جبال تخترقها أنهار ووديان، وهي وديان وأنهار، تفصل بينها الجبال، وتعيد تلاقيها، غير أنه من الممكن أن يثور في وعيك سؤال شقي: كيف لطبيعة بهذا الغنى والوفرة المائية، وبهذا التنوع البيولوجي، والأيكولوجي والزراعي والتراثي، أن تعرف الفقر والتهجير، لاسيما وأن مثلث خريبكة - بني ملال - الفقيه بن صالح، وهي من المدن المجاورة، يعد قاطنيه من أكثر مناطق المغرب إقداما على الهجرة السرية ومخاطرها المؤدية في كثير من الحالات إلى الموت؟
يُرْجعُ الكثيرون هذا الأمر إلى عزلة الأهالي، المنزوون والمحتشمون، ذوي الطموحات المحدودة، ويتعلق هذا التفسير خاصة بأهالي أزيلال. إذ يفسر أحد المواطنين الذين التقت بهم وكالة "قدس برس" الأمر بأن سكان خريبكة وبني ملال والفقيه بن صالح وغيرها يعيشون غبنا حقيقيا، ذلك أن كل من سافروا إلى أوروبا وعادوا، رجعوا محملين بالأموال الطائلة، وهم من قاموا باستثمارات حقيقة في العقار والزراعة.
وأشار محدثنا إلى أن تلك القطع الزراعة، التي بدت لنا خضراء مزهرة، عبر الطريق في اتجاه تادلة وبني ملال وغيرها من المسالك، هي مملوكة لهؤلاء الإقطاعيين الجدد، القادمين من بلاد المهجر، وهذا ما يحرك فضول العديد من الشباب إلى الهجرة، بحثا عن الثروة والنفوذ في هذا المثلث العجيب، الذي يوحي بالرفاه، ويعيش أهله على الفقر.
مهرجان أزيلال
يخترق مدينة أزيلال شارع رئيسي وحيد، تتفرع عنه مجموعة من الأزقة والشوارع الثانوية. والشارع الثاني هو ذلك الذي ينطلق من العمالة، وينتهي إلى ساحة الجامع الأكبر في مسافة أقل من 1 كلم. وعبر هذا الشارع في انفراجه على ساحة الجامع الأكبر، وبجوار مقر البلدية، هُيئت ساحة لاحتضان سهرات المهرجان. وغير بعيد عنه، في انفراج على الشارع الرئيس، يقام معرض للمنتجات التقليدية المحلية، في إطار قرية للفنون الشعبية، مثل النقش على الخشب، ورواق المنسوجات التقليدية، وآخر لصناعة الأسلحة التقليدية، وبعض المعروضات الأخرى.
وقد رصد لهذا المهرجان في نسخته الثانية حوالي 300 ألف دولار، وهو ضعف المبلغ الذي رصد للدورة الأولى قبل عام. ويتم تنظيمه بشكل موازي بينه وبين مدينة بني ملال. ويطمح المنظمون، عبر هذا المهرجان، للتعريف بالمؤهلات الطبيعية والفلكلورية والثقافية للجهة، من أجل تنمية مقدراتها السياحية. وينقل المنصوري حديثا لمجلس المدينة، مع وزير السياحة، يقول فيه إن المهرجان هو الأول وطنيا على مستوى السياحة الجبلية.
ويتكون المهرجان، حسب البرنامج المعد له، على فقرات غنائية وفلكلورية، أغلبها كان من الفن الأمازيغي، لفرق وطنية ومحلية، فضلا عن مشاركة فرق موسيقية شعبية دولية من السنغال وبولونيا وتركيا، إضافة إلى فقرة مسرحية، وعروض شعرية أمازيغية، ومعرض للفنون الشعبية والفروسية، ومعرض للفنون التشكيلية، ومعرض للكتاب الأمازيغي.
غير أن فقرات هذا البرنامج لم تنجز كلها، لأسباب تتعلق بسوء التنظيم، وتقاعس أطراف ما، أسندت إليها مهمة التنظيم، دون أن تباشره بجدية، حسب قول إبراهيم المنصوري. ويصل عدد الجمهور إلى 16 ألف، حسب ما صرح به أحد أفراد اللجنة التنظيمية، هذا في حين أن المنصة المهيأة للغرض لا تستوعب سوى 800 مقعد، بما يعني أن البقية يتزاحمون في الفضاء الواسع، المحيط بمكان العرض.
يأتي تنظيم هذا المهرجان في إطار شعار "ملتقى الشعوب في بلاد الماء"، وهو شعار وضعته منظمة "CIOFF"، وهي منظمة عالمية تأسست عام 1970، وتهتم بالإنتاجات الفنية والفلكلورية التقليدية، ولها فروع في أغلب بلدان العالم. ويتم قبول الشركة المنظمة للمهرجان عبر مناقصة، من خلال صفقات وطنية.
وهكذا قدر لهذه المدينة الصغيرة أن تحتفل مرة واحدة في العام، وأن تلغي كل حساباتها وقت هذه المناسبة، وأن تقسط أفراحها على قدر ظروفها وإمكاناتها. كما قدر لهذه المدينة الصغيرة أن تختار العزلة، وأن تعيش على فقر مزمن، وهي تنتظر مقدم بعض السياح، الذين يستفيدون من جمال الطبيعة، ودفء الناس، ليحركوا عجلة اقتصاد عشوائي، وينعشوا صمت مدينة نائمة وفقيرة، مع وفرة ما وهبها الله من طبيعة ساحرة، وأنهار جارية، وجبال مسربلة بالخضار.. وتاريخ ضارب في القدم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق